فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال مجد الدين الفيروزابادي:

بصيرة في الزيادة:
الزِّيادة: أَن ينضمّ إِلى ما عليه الشيء في نفسه شيء آخر، زِدته أَزيده زَيْدًا وزيادة فازداد.
وقوله تعالى: {وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ} نحو ازددت فضلًا، أَي ازداد فضلى، فهو من باب سَفِهَ نفسَه.
وذلك قد يكون زيادة مذمومة كالزَّيادة على الكفاية كزائد الأَصابع، والزّوائد في قوائم الدَّابَّة، وزيادة الكبد، وهى قطعة متعلِّقة بها يتصوّر أَن لا حاجة إِليها؛ لكونها غير مأكولة.
وقد يكون زيادة محمودة نحو قوله تعالى: {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ}، رُوى من طُرُق مختلفة أَنَّ هذه الزِّيادة النظر إِلى وجه الله تعالى، إشارة إِلى أَحوال وأُمور لا يمكن تصوّرها في الدنيا.
وقوله: {وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ} أَي أَعطاه من العلم والجسم قَدْرًا زَائِدًا على ما أَعطى أَهل زمانه.
ومن الزِّيادة المكروهة: {فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا} فإِن هذه الزِّيادة هو ما بُنى عليه جِبلَّة الإِنسان: أَن مَن تعاطى فعلا- إِنْ خيرا وإِن شرًّا- يقوى فيما يتعاطاه، ويزداد حالًا فحالًا فيه.
وقوله تعالى: {هَلْ مِن مَّزِيدٍ} يجوز أَن يكون استدعاءً للزِّيادة، ويجوز أَن يكون تنبيهًا أَنه قد امتلأَت، وحصل فيها ما ذَكَرَ- تعالى- في قوله: {لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ}.
يقال: زدته كذا، وزاد هو، وازداد، وشيء زائد وزَيْد، قال:
وأَنتم معشرٌ زَيْدٌ على مائةٍ ** فأَجمِعوا أَمركم كُلًا فكيدونِى

والزَّاد: المدَّخرُ الزائد على ما يُحتاجُ إِليه في الوقت.
والتزَوُّد: أَخْذُ الزاد، وقال تعالى: {وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}.
وقد وردت الزِّيادة على وجوه مختلِفة في القرآن:
كزيادة نُفْرة قوم نوح من دعواهم: {فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلاَّ فِرَارًا}.
زيادة خَسَارهم من اتِّباع أَهل الضَّلال: {وَاتَّبَعُواْ مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَسَارًا}، {وَلاَ تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَّ ضَلاَلًا}، {إِلاَّ خَسَارًا}.
زيادة خَسَار ثمود: {فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ}.
زيادة قوّة قوم عاد: {وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ}، {وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً}.
زيادة العلم والجسم لِمَلِك الإِسرائيليِّين: {وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ}.
زيادة الإِحسان من قوم موسى للمحسنين: {وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ}.
زيادة كيل القوت من يوسف لإِخوته: {وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ}.
زيادة العَدَ من قوم يونس: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ}.
زيادة الهُدَى من الله: {وَزِدْنَاهُمْ هُدًى}.
زيادة العلم والحكمة لسيّد المرسلين: {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا}.
زيادة اليقين والإِخلاص للصّحابة: {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُواْ إِيمَانًا} {لِيَزْدَادُواْ إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ}.
زيادة خشية الصّحابة عند سماع القرآن: {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا}.
زيادة خَسَار الظَّالِمِينَ، من ذلك: {وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا}.
زيادة رِجْس المنافقين: {فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ}.
زيادة الشكِّ والشُّبهة للكفار: {فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا}.
زيادة عذابهم: {زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ}، {فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَابًا}.
زيادة تطاول الجنَّ: {فَزَادُوهُمْ رَهَقًا}.
زيادة الفضل للمطيعين: {نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا}.
زيادة القُرْبَة للعارفين: {زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقُوَاهُمْ}، {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَواْ هُدًى}.
زيادة اللِّقاءِ والرّؤْية لأَهل الجنة: {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ}.
وفى الحديث: «من ازداد علمًا ولم يزدد هدى، لم يزدد من الله إِلاَّ بعدا».
وقال الشاعر:
وحدّثتنى يا سعد عنها فزدتنى ** جنونا فزدنى من حديثك يا سعد

اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
قوله جلّ ذكره: {لِّلَّذِينَ أحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ}
{أَحْسَنُوا}: أي عَمِلُوا وأحسنوا إذ كانت أفعالُهم على مقتضى الإذن.
ويقال: {أحسنوا}: لم يُقَصِّروا في الواجبات، ولم يُخِلُّوا بالمندوبات.
ويقال: {أحسنوا}: أي لم يَبْقَ عليهم حقٌّ إلا قاموا به؛ إن كان حقَّ الحقِّ فَمِنْ غير تقصير، وإن كان من حقِّ الخَلْق فأداءٌ من غير تأخير.
ويقال: {أحسنوا}: في المآل كما أحسنوا في الحال؛ فاستداموا بما فيه واستقاموا، والحسنى التي لهم هي الجنة وما فيها من صنوف النِّعم.
ويقال: الحسنى في الدنيا توفيق بدوام، وتحقيق بتمام، وفي الآخرة غفران مُعَجَّل، وعيان على التأبيد مُحصَّل.
قوله: {وَزِيَادَةٌ}: فعلى موجِب الخبر وإجماع السلف النظرُ إلى الله، ويحتمل أن تكون {الحسنى}: الرُّؤية، والزيادة: دوامُها، ويحتمل أن تكون {الحسنى}: اللقاء، والزيادةُ: البقاء في حال اللقاء.
ويقال الحسنى عنهم لا مقطوعة ولا ممنوعة، والزيادة لهم لا عنهم محجوبة ولا مسلوبة.
قوله جلّ ذكره: {وَلاَ يَرْهَقُ وَجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَةٌ أُولَئكَ أَصْحَابُ الجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}.
لا يقع عليهم غبارُ الحجاب، وبعكسه حديث الكفار حيث قال: {وَوُجُوهٌ يَومَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ} [عبس: 40].
والذلة التي لا تصيبهم أي لا يُرَدُّوا مِنْ غير شهودٍ إلى رؤية غيره، فهم فيها خالدون في فنون أفضالهم، وفي جميع أحوالهم. اهـ.

.تفسير الآية رقم (27):

قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (27)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما بين حال الفضل فيمن أحسن، بين حال العدل فيمن أساء فقال: {والذين كسبوا} أي منهم {السيئات} أي المحيطة بهم {جزاء سيئة} أي منهم {بمثلها} بعدل الله من غير زيادة {وترهقهم ذلة} أي من جملة جزائهم، فكأنه قيل: أما لهم انفكاك عن ذلك؟ فقيل جوابًا: {ما لهم من الله} أي الملك الأعظم؛ وأغرق في النفي فقال: {من عاصم} أي يمنعهم من شيء يريده بهم.
ولما كان من المعلوم أن ذلك مغير لأحوالهم، وصل به قوله: {كأنما} ولما كان المكروه مطلق كونها بالمنظر السيئ، بني للمفعول قوله: {أغشيت وجوههم} أي أغشاها مغش لشدة سوادها لما هي فيه من السوء {قطعًا} ولما كان القطع بوزن عنب مشتركًا بين ظلمة آخر الليل وجمع القطعة من الشيء.
بين وأكد فقال: {من الليل} أي هذا الجنس حال كونه {مظلمًا} ولما كان ذلك ظاهرًا في أنهم أهل الشقاوة، وصل به قوله: {أولئك} أي البعداء البغضاء {أصحاب النار} ولما كانت الصحبة الملازمة، بينها بقوله: {هم فيها} أي خاصة {خالدون} أي لا يمكنون من مفارقتها؛ والرهق: لحق الأمر، ومنه: راهق الغلام- إذا لحق حال الرجال؛ والقتر: الغبار، ومنه الإقتار في الإنفاق لقتله؛ والذلة: صغر النفس بالإهانة؛ والكسب: الفعل لاجتلاب النفع إلى النفس أو النفس أو استدفاع الضر. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ}
في الآية مسائل:

.المسألة الأولى: [في شرح حال من أقدم على السيئات]:

اعلم أنه كما شرح حال المسلمين في الآية المتقدمة، شرح حال من أقدم على السيئات في هذه الآية، وذكر تعالى من أحوالهم أمورًا أربعة أولها: قوله: {جَزَاء سَيّئَةٍ بِمِثْلِهَا} والمقصود من هذا القيد التنبيه على الفرق بين الحسنات وبين السيئات، لأنه تعالى ذكر في أعمال البر أنه يوصل إلى المشتغلين بها الثواب مع الزيادة وأما في عمل السيئات، فإنه تعالى ذكر أنه لا يجازي إلا بالمثل، والفرق هو أن الزيادة على الثواب تكون تفضلًا وذلك حسن، ويكون فيه تأكيد للترغيب في الطاعة، وأما الزيادة على قدر الاستحقاق في عمل السيئات، فهو ظلم، ولو فعله لبطل الوعد والوعيد والترهيب والتحذير، لأن الثقة بذلك إنما تحصل إذا ثبتت حكمته، ولو فعل الظلم لبطلت حكمته.
تعالى الله عن ذلك، هكذا قرره القاضي تفريعًا على مذهبه.
وثانيها: قوله: {وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ} وذلك كناية عن الهوان والتحقير، واعلم أن الكمال محبوب لذاته، والنقصان مكروه لذاته، فالإنسان الناقص إذا مات بقيت روحه ناقصة خالية عن الكمالات، فيكون شعوره بكونه ناقصًا، سببًا لحصول الذلة والمهانة والخزي والنكال.
وثالثها: قوله: {مَّا لَهُمْ مّنَ الله مِنْ عَاصِمٍ} واعلم أنه لا عاصم من الله لا في الدنيا ولا في الآخرة، فإن قضاءه محيط بجميع الكائنات، وقدره نافذ في كل المحدثات إلا أن الغالب على الطباع العاصية، أنهم في الحياة العاجلة مشتغلون بأعمالهم ومراداتهم.
أما بعد الموت فكل أحد يقر بأنه ليس له من الله من عاصم.
ورابعها: قوله: {كأنما أغشيت وجوههم قطعًا من الليل مظلمًا} والمراد من هذا الكلام إثبات ما نفاه عن السعداء حيث قال: {وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ} [يونس: 26].
واعلم أن حكماء الإسلام قالوا: المراد من هذا السواد المذكور هاهنا سواد الجهل وظلمة الضلالة، فإن العلم طبعه طبع النور، والجهل طبعه طبع الظلمة، فقوله: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ ضاحكة مُّسْتَبْشِرَةٌ} [عبس: 39] المراد منه نور العلم، وروحه وبشره وبشارته، وقوله: {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ} [عبس: 40] المراد منه ظلمة الجهل وكدورة الضلالة.

.المسألة الثانية: قوله: {والذين كَسَبُواْ السيئات}:

فيه وجهان: أحدهما: أن يكون معطوفًا على قوله: {لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ} [يونس: 26] كأنه قيل: للذين أحسنوا الحسنى وللذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها والثاني: أن يكون التقدير وجزاء الذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها.
على معنى أن جزاءهم أن يجازي سيئة واحدة بسيئة مثلها لا يزاد عليها، وهذا يدل على أن حكم الله في حق المحسنين ليس إلا بالفضل، وفي حق المسيئين ليس إلا بالعدل.

.المسألة الثالثة: [في المراد بقوله: {والذين كَسَبُواْ السيئات}]:

قال بعضهم: المراد بقوله: {والذين كَسَبُواْ السيئات} الكفار واحتجوا عليه بأن سواد الوجه من علامات الكفر، بدليل قوله تعالى: {فَأَمَّا الذين اسودت وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إيمانكم} [آل عمران: 106] وكذلك قوله: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ أُوْلَئِكَ هُمُ الكفرة الفجرة} [عبس: 40- 42] ولأنه تعالى قال بعد هذه الآية: {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا} [يونس: 28] والضمير في قوله: {هُمْ} عائد إلى هؤلاء، ثم إنه تعالى وصفهم بالشرك، وذلك يدل على أن هؤلاء هم الكفار، ولأن العلم نور وسلطان العلوم والمعارف هو معرفة الله تعالى، فكل قلب حصل فيه معرفة الله تعالى لم يحصل فيه الظلمة أصلًا، وكان الشبلي رحمة الله تعالى عليه يتمثل بهذا ويقول:
كل بيت أنت ساكنه ** غير محتاج إلى السرج

وجهك المأمول حجتنا ** يوم يأتي الناس بالحجج

وقال القاضي: إن قوله: {والذين كَسَبُواْ السيئات} عام يتناول الكافر والفاسق.
إلا أنا نقول: الصيغة وإن كانت عامة إلا أن الدلائل التي ذكرناها تخصصه.